
اسم محمد الفايد لا يذكر إلا مرتبطاً بالطموح والنجاح المذهل إنه رجل الأعمال المصري الذي بدأ من لا شيء ليصبح أحد أشهر المليارديرات في العالم.
من شاب بسيط في الإسكندرية إلى مالك متجر هارودز الأسطوري في لندن، كانت رحلته مثالاً على أن الإصرار يصنع المعجزات.
لم يكن طريقه مفروشاً بالورود، فقد واجه تحدياتٍ كبرى، لكن شخصيته القوية وعقله التجاري جعلاه يتجاوز كل العقبات.
اليوم يعتبر محمد الفايد رمزاً للنجاح المصري والعربي في الغرب، وقصته تلهم كل من يؤمن بأن الطموح لا يعرف حدوداً.
نشأة محمد الفايد وبداياته في الحياة
ولد محمد عبد المنعم الفايد في مدينة الإسكندرية عام 1929 في أسرة مصرية متوسطة الحال.
كانت نشأته بسيطة، بعيدة عن مظاهر الثراء أو النفوذ، لكن منذ صغره كان يحمل بداخله شرارة مختلفة.
كان يرى في كل فرصة مشروعاً، وفي كل تحدي طريقاً للنجاح.
عمل منذ صغره في وظائف متواضعة؛ من بيع الكتب إلى العمل في الموانئ، وكان دائم الحركة والنشاط.
لم يكن التعليم الأكاديمي وحده طريقه، بل اعتمد على الذكاء الفطري والقدرة على قراءة الناس وفهم السوق.
في الخمسينيات، بدأ محمد الفايد التفكير في الانتقال إلى الخارج. كان يدرك أن مصر آنذاك تعاني من تحديات اقتصادية وسياسية، وأن المستقبل الحقيقي للتجارة يكمن في أوروبا.
وبالفعل، غادر الإسكندرية حاملاً معه حقيبة صغيرة، ولكن برؤية كبيرة.
الانطلاقة الأولى في عالم المال والأعمال
بعد انتقاله إلى أوروبا في أوائل الخمسينيات، لم تكن الطريق مفروشة بالورود أمام محمد الفايد.
وصل إلى بريطانيا وهو لا يملك سوى طموحه الجارف وثقته بنفسه. بدأ في الأعمال الصغيرة، فاشتغل في الاستيراد والتصدير بين الشرق الأوسط وأوروبا، مستغلاً خبرته المبكرة في الأسواق العربية ومعرفته بطبيعة المستهلك الشرقي والغربي في آن واحد.
كانت أولى خطواته في لندن عندما أسس شركة صغيرة لتوريد المنتجات المصرية إلى أوروبا، وبالأخص القطن المصري الشهير الذي كان وقتها من أهم صادرات البلاد.
وبفضل قدرته على بناء علاقات سريعة مع كبار التجار والمستثمرين، بدأ الفايد يلفت الأنظار.
امتاز بأسلوب تفاوض ذكي، يجمع بين الصرامة واللباقة، وهو ما جعله يحظى باحترام الجميع حتى في أوساط رجال الأعمال البريطانيين الذين كانوا ينظرون للشرق وقتها نظرة دونية.
في منتصف الستينيات، توسعت أنشطة محمد الفايد لتشمل تجارة السفن والعقارات، كما أسس علاقات مع رجال السياسة والاقتصاد في بريطانيا وفرنسا.
لم تكن هذه العلاقات مجرد صداقات عابرة، بل كانت شبكة نفوذ قوية ساعدته في بناء قاعدة اقتصادية متينة. لم يكن المال هدفه الأول، بل كان يسعى لبناء اسمٍ عربي يحترم في عالم يسيطر عليه الغربيون.
رغم الصعوبات التي واجهها كمستثمر عربي في أوروبا، لم يتراجع. كان يؤمن أن الفشل جزء من طريق النجاح.
ومع كل خسارة كان يزداد إصراراً على المضي قدماً وربما كانت هذه الروح العنيدة هي التي جعلته فيما بعد يلقب بـ”الرجل الذي لا يُهزم”.
إقرأ: نجيب ساويرس من أوراسكوم إلى العالمية.. كيف صنع ثروته واستثماراته؟
محمد الفايد ورحلته إلى القمة
السبعينيات كانت العقد الذهبي في مسيرة رجل الأعمال محمد الفايد بدأ يحقق أرباحاً ضخمة من مشاريعه التجارية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وأسس العديد من الشركات التي اهتمت بالبنية التحتية والموانئ والنقل البحري.
كما دخل عالم المقاولات، فكانت له مشاريع ضخمة في دبي وأبوظبي عندما كانت تلك المدن في بدايات نهضتها العمرانية.
لكن التحول الأكبر في مسيرته جاء عندما بدأ يتوسع في سوق العقارات البريطانية، حيث لاحظ أن العقار في لندن ليس مجرد تجارة، بل رمز للهيبة والمكانة الاجتماعية.
فبدأ بشراء عقارات فخمة في المناطق الراقية مثل “مايفير” و”نايتسبريدج”، وهي الخطوة التي فتحت له أبواباً واسعة نحو عالم الأثرياء والسياسة.
وبذكاء فائق، لم يكتفي بالاستثمار المالي، بل بدأ يستثمر في الصورة العامة لعلامته الشخصية. فكان يظهر في المناسبات الفاخرة، ويحافظ على أناقة ملفتة، ويتحدث بلباقة تجمع بين الجاذبية الشرقية والثقة الأوروبية.
بهذه الطريقة، بدأ الإعلام البريطاني يلتفت إليه باعتباره “العربي الأنيق”، وبدأت صورته تتصدر الصحف البريطانية.
لم يكن النجاح عند محمد الفايد مجرد حكاية صدفة، بل ثمرة تخطيط دقيق ورؤية بعيدة المدى.
فقد فهم أن المال لا يصنع النفوذ وحده، بل النفوذ هو من يصنع المال ويضاعفه.
لذلك عمل على بناء علاقات مع كبار السياسيين ورجال المال في بريطانيا وفرنسا، حتى أصبح اسمه معروفاً في الدوائر العليا.
وكان هذا التمركز الذكي في عالم النخبة مقدمة لصفقة القرن التي غيّرت حياته إلى الأبد: صفقة شراء متجر هارودز الشهير.
استحواذه على متجر هارودز الشهير

في عام 1985، أذهل محمد الفايد العالم عندما أعلن شراءه لمتجر “هارودز” الفخم في قلب لندن من عائلة “تايني رولاند” الألمانية.
لم يكن هذا مجرد استثمار تجاري، بل خطوة رمزية تعني أن رجلاً عربياً استطاع أن يمتلك أحد أكثر رموز الثراء البريطاني فخامة وعراقة.
واجه الفايد معركة شرسة من الإعلام والسياسيين البريطانيين الذين لم يتقبلوا فكرة أن “ملياردير عربي” أصبح مالكاً لأحد أهم مؤسساتهم الاقتصادية.
حاولت الصحف تشويه صورته، وفتحت الحكومة البريطانية تحقيقات مطوّلة في مصدر ثروته، لكنها لم تجد ما يدينه.
ورغم كل ذلك، نجح في تحويل “هارودز” إلى معلم سياحي وتجاري عالمي. أضاف للمكان لمسة عربية مميزة، وزيّنه بديكورات فخمة تعكس ثقافة الرفاهية الشرقية.
كما أطلق مشاريع تطوير ضخمة جعلت من المتجر وجهة يقصدها الأغنياء من كل أنحاء العالم، من العائلة المالكة البريطانية إلى نجوم هوليوود.
لم يكن هارودز بالنسبة له مجرد مشروع ربحي، بل رمز لانتصاره على منظومة كانت تستبعد العرب من دوائر المال الكبرى. كان يقول دائماً: “اشتريت هارودز لأنني أردت أن أُثبت أن العربي قادر على التفوق في أي مكان”.
وعلى مدار أكثر من ربع قرن، ظل المتجر في عهدته يحقق أرباحاً قياسية، حتى باعه عام 2010 لشركة قطر القابضة بمبلغ تجاوز ملياري جنيه إسترليني، في واحدة من أكبر الصفقات التجارية في تاريخ بريطانيا.
إقرأ أيضا: ثروة كريستيانو رونالدو بين كرة القدم والأعمال… كيف فعلها؟
محمد الفايد ومجموعة “ريتز” في باريس
لم يتوقف الفايد عند “هارودز”، بل واصل توسيع إمبراطوريته الفاخرة بشراء فندق ريتز باريس عام 1979، أحد أفخم فنادق العالم وأعرقها.
كان هذا الفندق بالنسبة له أكثر من مجرد عقار، بل قطعة من التاريخ الأوروبي الفخم.
قام بتجديد الفندق بالكامل بتكلفة تجاوزت مئات الملايين من الدولارات، وأعاد افتتاحه بطريقة أسطورية جذبت النخبة العالمية من السياسيين والفنانين ورجال الأعمال.
تحت ملكيته، أصبح “ريتز باريس” وجهة ليس لها مثيل او مكان في الفخامة، واستضاف أبرز نجوم العالم من إليزابيث تايلور إلى الأميرة ديانا نفسها.
تميز الفايد بأسلوب إداري فريد، فهو كان يتعامل مع الفندق كتحفة فنية، وليس كمشروع ربحي فحسب.
كان يتدخل في أدق التفاصيل، من الزهور المستخدمة في الردهات إلى نوع الموسيقى التي تعزف في المطعم. وكان يؤمن أن الضيافة الحقيقية هي ما تصنع الفارق بين فندق فاخر وتجربة لا تنسى.
بفضل رؤيته هذه، حافظ فندق “ريتز” على مكانته كأحد أهم معالم باريس الفاخرة حتى اليوم، وأصبح رمزاً من رموز الأناقة التي لا تزول.
علاقته بالعائلة الملكية البريطانية
من أكثر الجوانب إثارة في حياة محمد الفايد علاقته المعقدة بالعائلة الملكية البريطانية.
فبعد أن أصبح أحد أبرز رجال الأعمال في لندن، بدأ يتردد على المناسبات الاجتماعية التي يحضرها كبار أفراد العائلة المالكة.
وسرعان ما أصبح معروفاً بكرمه الفخم وشخصيته المثيرة للجدل.
لكن هذه العلاقة لم تخلو من التوتر فالمؤسسة الملكية، رغم حضورها المتكرر في فعالياته التجارية، كانت تنظر إليه نظرة تحفظ بسبب أصوله العربية ومسلمانه، إلى جانب شخصيته الصريحة التي لم تكن مألوفة في أوساط الأرستقراطية البريطانية.
ومع ذلك، ظل محمد الفايد متمسكاً بمكانته، وكان يرى نفسه جزءاً من النخبة البريطانية التي حاولت إقصاءه مراراً.
بدأت العلاقة تأخذ منحى أكثر عمقاً حين تعرّف ابنه دودي الفايد على الأميرة ديانا، أميرة ويلز السابقة، بعد طلاقها من الأمير تشارلز.
كانت ديانا تبحث عن الأمان والهدوء بعيداً عن ضجيج القصر الملكي، فوجدت في دودي رجلاً يحمل صفات الرقة والرومانسية، ووجد محمد الفايد في هذه العلاقة فرصة لبناء جسر إنساني بين الشرق والغرب.
لكن وسائل الإعلام البريطانية لم تر الأمر كذلك. فسرعان ما تحولت العلاقة إلى مادة مثيرة للصحافة الصفراء التي لم تترك مناسبة إلا وهاجمتهما فيها، مركّزة على أصل دودي العربي وديانة والده محمد الفايد.
ورغم كل الانتقادات، ظل الفايد يساند ابنه ويدافع عن ديانا علناً، معتبراً أن ما يجمعهما حب حقيقي لا تحركه المصالح.
ومع مرور الوقت، أصبحت العلاقة بين محمد الفايد والعائلة المالكة متوترة إلى أقصى الحدود، خصوصاً بعد أن بدأ يتحدث علناً عن التمييز العنصري الذي كان يواجهه في بريطانيا.
وكان يقول في مقابلاته: “لقد أعطيت لبريطانيا أكثر مما أخذت، ومع ذلك لن يعتبروني واحداً منهم أبداً.”
لم تكن تلك الجملة مجرد تصريحٍ إعلامي، بل تلخيصاً لعقودٍ من الصراع بين رجل أعمال عربي طموح ونظام بريطاني أراد إبقاءه في دائرة “الغريب”.
إكتشف: أيمن عباس.. قصة نجاح رجل الأعمال والملياردير الذي غيّر خريطة الاستثمار في مصر
حادث ديانا ودودي الفايد.. المأساة التي غيرت كل شيء
في ليلة الحادي والثلاثين من أغسطس عام 1997، تحوّلت حياة محمد الفايد إلى مأساة ستلاحقه حتى آخر أيامه.
فقد فقد ابنه الوحيد دودي الفايد برفقة الأميرة ديانا في حادث سيارة مروع داخل نفق “ألما” في باريس، أثناء محاولتهما الهروب من مصوري الباباراتزي الذين كانوا يلاحقونهما بلا رحمة.
كان الخبر صادماً للعالم كله، لكن وقعه على محمد الفايد كان أشد قسوة.
فإلى جانب فقدانه لابنه، شعر أن هناك شيئاً غير طبيعي في الحادث، وبدأ يصرح علناً بأنه يعتقد أن ما حدث لم يكن مجرد حادث سير، بل “مؤامرة” دُبرت بعناية.
بدأ الفايد حملة طويلة استمرت لسنوات، طالب خلالها بفتح تحقيق رسمي حول ملابسات الحادث، واتهم جهات بريطانية عليا بالتورط في ما حدث، مدعياً أن الأميرة ديانا كانت حاملاً من دودي وأن المؤسسة الملكية لم تكن لتسمح بزواجها من رجل مسلم عربي.
ورغم أن التحقيقات الرسمية نفت وجود أي شبهة جنائية، فإن الفايد لم يتوقف عن المطالبة بالعدالة حتى آخر يوم في حياته. كان يقول دائماً: “لن أرتاح حتى أعرف الحقيقة الكاملة عن مقتل ابني وديانا.”
ترك الحادث جرحاً غائراً في قلبه فبعد تلك الليلة، تغيّر تماماً. أصبح أكثر انعزالاً، وأكثر حدة في تصريحاته ضد السلطات البريطانية.
وبالرغم من ثروته الهائلة ومكانته العالمية، عاش بقية حياته مثقلاً بالحزن والأسى.
العديد من الصحف البريطانية والعربية وصفت محمد الفايد بعد الحادث بأنه “رجل فقد كل شيء رغم امتلاكه لكل شيء”.
وربما كانت تلك الجملة أصدق تعبير عن مأساة رجل عاش للنجاح، لكن فقد في لحظة واحدة ما لا يُعوّض.
محمد الفايد ورؤيته في إدارة الأعمال
لم يكن محمد الفايد مجرد رجل أعمال تقليدي يسعى إلى تحقيق الأرباح بأي وسيلة، بل كان يؤمن بأن النجاح الحقيقي يقوم على الإبداع والانضباط والجرأة في اتخاذ القرار.
كان يرى أن المال وسيلة لتحقيق المجد، وليس غاية بحد ذاته.
منذ بداياته، اعتمد الفايد على فلسفة بسيطة لكنها فعالة: “اعرف التفاصيل الصغيرة، لأنها هي التي تصنع الفرق الكبير.”
كان يتفقد مشاريعه بنفسه، سواء في متجر “هارودز” أو في فندق “ريتز باريس”، ويتابع كل جزء من التفاصيل، من طريقة استقبال الزبائن إلى نوع الزهور الموضوعة في المداخل.
هذه الدقة جعلت علاماته التجارية مرادفاً للفخامة والتميّز.
كان الفايد يؤمن أيضاً بأن الموظف السعيد هو سر نجاح أي مشروع.
لذلك كان يهتم بالعاملين معه اهتماماً بالغاً، ويوفر لهم ظروف عمل مثالية.
وكان معروفاً عنه أنه يحفظ أسماء المئات منهم، ويتحدث إليهم بلطف رغم شخصيته الحازمة. هذه الإنسانية في الإدارة جعلت ولاء موظفيه له استثنائياً، وهو ما انعكس إيجاباً على أداء مؤسساته.
رؤيته الذكية
من ناحية أخرى، كان يؤمن بأن المخاطرة المحسوبة هي الطريق إلى الثروة.
لم يكن يخشى الدخول في مشاريع ضخمة أو غير مألوفة، طالما رأى فيها فرصة حقيقية. وعندما سأله أحد الصحفيين ذات مرة عن سر نجاحه، أجاب قائلاً: “لو انتظرت الظروف المثالية، فلن تبدأ أبداً.”
كان يؤمن بأن القرارات الكبيرة تحتاج إلى شجاعة استثنائية، وأن النجاح لا يتحقق إلا لمن يملك الجرأة على الحلم والعمل في آنٍ واحد.
ولم يغفل الفايد عن أهمية السمعة في عالم الأعمال كان يحرص دائماً على الظهور بمظهر الرجل الأنيق الواثق، الذي يعرف كيف يفرض احترامه حتى على خصومه.
فسمعته لم تكن بالنسبة له مجرد مظهر اجتماعي، بل كانت رأس مالٍ معنوي يفتح له الأبواب المغلقة.
بفضل هذه الرؤية الإدارية الفريدة، استطاع محمد الفايد أن يحوّل كل مشروع يدخل فيه إلى قصة نجاح تدرس في عالم الاقتصاد.
لم يكن فقط مليارديراً جمع ثروة ضخمة، بل كان نموذجاً للرجل الذي يفكر بأسلوب مختلف ويصنع الفارق في كل خطوة يخطوها.
إطلع علي: قصة سليمان الراجحي.. رائد المصرفية الإسلامية الذي غيّر مفهوم الاستثمار
الجانب الإنساني في حياة محمد الفايد

على الرغم من شهرته كواحد من أغنى رجال العالم، فإن محمد الفايد كان يحمل في قلبه جانباً إنسانياً نادراً.
لم ينسي أبداً جذوره المصرية ولا الفقراء الذين عاش بينهم في طفولته. كان يقول دوماً: “الفقر علّمني أن أرى العالم بعينٍ مختلفة، وأن أُقدّر قيمة العطاء.”
أسس الفايد العديد من الجمعيات الخيرية، سواء في بريطانيا أو في مصر، وقدم تبرعات سخية لدعم التعليم والرعاية الصحية.
كان من أوائل رجال الأعمال الذين ساهموا في إنشاء مدارس في المناطق الريفية المصرية، كما موّل مشروعات لمساعدة الأسر الفقيرة والطلاب المتفوقين.
وفي بريطانيا، أنشأ مؤسسة خيرية باسم “دودي الفايد التذكارية” بعد وفاة ابنه، تهدف إلى دعم الأطفال والمحتاجين وتقديم المساعدات الإنسانية حول العالم.
كانت هذه المؤسسة بالنسبة له وسيلة لتخليد ذكرى ابنه وتحويل حزنه إلى طاقة إيجابية تخدم الآخرين.
عُرف عن الفايد أيضاً حبه للعاملين معه وتقديره لهم، وكان يقدم المكافآت بسخاء ويعاملهم كعائلة واحدة.
إحدى القصص التي تكررت عنه أن أحد الموظفين القدامى في “هارودز” كان يعاني من أزمة مالية، فقام الفايد بسداد ديونه كاملة دون أن يطلب منه أحد ذلك.
هذه اللفتات الصغيرة جعلته محبوباً لدى من عملوا معه.
إلى جانب ذلك، كان محمد الفايد من أكثر المدافعين عن القضايا العربية في الغرب.
كان يدعم القضايا الفلسطينية علناً، ويتحدث في الإعلام الغربي بشجاعة نادرة عن معاناة الشعوب العربية، رغم إدراكه أن مثل هذه المواقف قد تكلفه الكثير من العلاقات والمصالح.
لكنه لم يكن يهتم، لأن المبادئ عنده كانت أغلى من الأرباح.
لقد كان يرى أن الثروة الحقيقية ليست ما تملكه من مال، بل ما تتركه من أثر في حياة الآخرين.
لذلك ظل حتى آخر أيامه يمول مبادرات خيرية دون أن يسعى للشهرة أو الترويج لها، مكتفياً بقول واحد: “العطاء سر السعادة.”
محمد الفايد والإعلام
منذ دخوله عالم المال في أوروبا، كان محمد الفايد مادة إعلامية مثيرة لا تهدأ حولها الأضواء.
فالرجل كان يمتلك شخصية فريدة تجمع بين الذكاء الحاد والجرأة النادرة في التعبير.
لم يكن يخشى الحديث عن آرائه بصراحة تامة، حتى لو أغضبت أقوى المؤسسات في بريطانيا.
في الثمانينيات والتسعينيات، أصبحت تصريحاته تُحدث ضجة في الصحف البريطانية بشكل شبه أسبوعي.
كان ينتقد الحكومة والبرلمان وحتى القصر الملكي دون خوف ورغم أن الإعلام البريطاني كان في الغالب قاسياً عليه، إلا أنه كان يعرف كيف يستخدمه لصالحه.
كان يدرك أن السيطرة على الرأي العام جزء من إدارة الأعمال، لذلك لم يتردد في فتح أبواب متجره “هارودز” لوسائل الإعلام، مقدماً نفسه كرجل نجاح صنع مجده بعرق جبينه.
وبذكاءٍ شديد، استخدم الإعلام كأداة لتلميع صورته وإبراز إنجازاته، وفي الوقت نفسه كسلاحٍ لمواجهة خصومه.
كما شارك في عدد من البرامج الوثائقية والتلفزيونية، تحدث فيها عن رحلته من الفقر إلى الثراء، وعن معاناته مع الطبقة السياسية البريطانية.
وفي كل مرة كان يظهر فيها، يجذب المشاهدين بطريقته المباشرة وكاريزمته العالية.
ومع ذلك، لم تكن علاقته بالإعلام دائماً سهلة. فقد خاض معارك طويلة مع صحف مثل The Sunday Times وThe Guardian التي حاولت التشكيك في ثروته ومصدر أمواله.
لكنه لم يترك أي اتهام يمر دون رد، بل كان يواجههم علناً، أحياناً عبر البيانات، وأحياناً في ساحات القضاء.
ورغم كل تلك الحملات، خرج منها منتصراً في معظمها، بل زادت شهرته وقوته الإعلامية.
كان الإعلام بالنسبة لمحمد الفايد أشبه بـ”مسرح” يعرض عليه قصته كما يريدها أن تحكي.
وربما لهذا السبب ظل اسمه يتصدر العناوين طوال أربعة عقود، ليصبح أيقونة إعلامية بقدر ما هو ملياردير واقعي.
إقرأ أيضا: قصة نجاح عبدالله الفطيم.. الملياردير الإماراتي ومؤسس مجموعة الفطيم
أسرار من حياة الملياردير محمد الفايد
رغم أن محمد الفايد عاش تحت الأضواء معظم حياته، إلا أن شخصيته ظلت تحمل الكثير من الغموض والجاذبية.
خلف الواجهة الصلبة لرجل الأعمال الحازم، كان هناك إنسان بسيط بطبعه، يحب التفاصيل الصغيرة، ويقدّر العائلة فوق كل شيء.
واحدة من أبرز صفاته كانت الانضباط الشديد. فحتى بعد أن أصبح مليارديراً، كان يبدأ يومه في السادسة صباحاً، ويقضي أول ساعتين في قراءة التقارير المالية والاطلاع على الأخبار الاقتصادية.
لم يكن يترك شيئاً للصدفة، وكان يؤمن أن السر في الاستمرار بالنجاح هو المراقبة الدقيقة لكل ما يحدث في مؤسساته.
كما كان معروفاً بعشقه للطعام العربي والموسيقى الشرقية، وغالباً ما كان يقيم حفلات خاصة في قصره بلندن أو باريس يحييها فنانون عرب كبار.
كان يحب أن يظل قريباً من ثقافته المصرية رغم حياته الطويلة في أوروبا. وكان يردد دائماً: “قد أعيش في لندن، لكن قلبي في الإسكندرية.”
الجوانب المثيرة في حياته
تعرّض للكثير من الخداع خلال مسيرته، مما جعله حذراً جداً في اختيار شركائه.
كان يراجع كل عقد بنفسه، ويحرص على أن لا يوقع أي اتفاق قبل أن يقرأه سطراً بسطر.
هذه الصفة التي رآها البعض نوعاً من التشدد، كانت في الواقع أحد أسرار بقائه طويلاً في قمة عالم الأعمال دون أن يتعرض لانهيارات مالية.
أما على الصعيد الشخصي، فكان أباً حنوناً، رغم أنه لم يظهر مشاعره كثيراً علناً.
فقد تحدث في أكثر من مقابلة عن ابنه دودي قائلاً: “كان ابني صديقي، وأملي في المستقبل. وفقدانه جعل العالم بالنسبة لي بلا طعم.”
كان يحتفظ بصورته في مكتبه حتى آخر أيامه، ويضع أمامها وردة بيضاء كل صباح، في عادة استمرت سنوات طويلة بعد الحادث الأليم.
ومن أسرار حياته أيضاً أنه لم يكن يحب التباهي بثروته كما يفعل بعض الأثرياء. كان يرى أن المال وسيلة لتحقيق الحرية، لا للتفاخر.
رغم امتلاكه طائرات خاصة ويخوت فارهة، إلا أنه عاش حياة منظمة وبسيطة من حيث الروتين اليومي.
كان يحب المشي في حدائق قصره، ويتحدث مع العاملين فيه بطريقة ودودة.
وكان يطلب من سائقه أن يتوقف أحياناً ليتحدث مع المارة أو يشتري شيئاً بسيطاً من متجر صغير، فقط ليشعر بأنه ما زال قريباً من الناس.
السنوات الأخيرة وحياته بعد التقاعد

مع تقدمه في السن وبلوغه التسعينيات من عمره، بدأ محمد الفايد يبتعد تدريجياً عن الأضواء وعن صخب عالم المال.
وبعد بيع متجر “هارودز” في عام 2010، قرر أن يخصص وقته لعائلته وأعماله الخيرية. كان يشعر أنه قدم ما يكفي في مجال الأعمال، وأن الوقت قد حان للراحة والتأمل.
انتقل للإقامة بين قصره في ساري البريطانية وفندق “ريتز باريس”، الذي ظل يزوره باستمرار باعتباره جزءاً من حياته وتاريخه.
كان يمضي معظم وقته في القراءة والكتابة، ويحب الجلوس مع أحفاده ليروي لهم قصص كفاحه الأولى في الإسكندرية.
ورغم انسحابه التدريجي من المشهد العام، لم يتوقف عن الإدلاء بآرائه في القضايا الاقتصادية والسياسية عبر مقالات أو تصريحات محدودة.
كان ينتقد بشجاعة تدهور القيم الأخلاقية في عالم الأعمال الحديث، قائلاً: “المال اليوم لم يعد وسيلة للبناء، بل أصبح أداة للغرور.”
وفي تلك الفترة، ازدادت عزلته بعد وفاة عدد من أصدقائه المقربين، وظل يعيش في هدوء بعيداً عن الكاميرات.
لكنه ظل حتى النهاية محافظاً على أناقته وكاريزمته، يحرص على الظهور ببدلته الكلاسيكية وربطة عنق أنيقة حتى في لقاءاته الخاصة.
ومع أنه كان قد خسر معاركه مع الحكومة البريطانية في موضوع الجنسية، إلا أنه ظل فخوراً بمصريته، وكان يردد دائماً: “أنا ابن الإسكندرية، وسأبقى مصرياً حتى آخر نفس.”
وقد رفض أكثر من مرة عروضاً لتجنيسه من دول أخرى، مؤكداً أن الانتماء لا يُشترى بجواز سفر، بل يُولد مع الإنسان ويعيش معه حتى النهاية.
كانت سنواته الأخيرة مليئة بالتأمل والحنين. كان يشعر بالرضا عن إنجازاته رغم جراح الماضي، خصوصاً فقدان ابنه دودي.
وكان يرى في العمل الخيري تعويضاً روحياً عن كل ما فقده.
إكتشف: قصة نجاح خلف الحبتور.. الملياردير الإماراتي الذي بنى مجده من الصفر ووصل للقمة
وفاته وإرثه العظيم
في الأول من سبتمبر عام 2023، رحل محمد الفايد عن عمر ناهز 94 عاماً، بهدوء في منزله بلندن.
وبمجرد إعلان وفاته، نشرت الصحف ووسائل الإعلام حول العالم بخبر رحيله، وانهالت كلمات الرثاء من الشخصيات العامة والسياسيين ورجال الأعمال الذين اعتبروه “أسطورة عربية في قلب أوروبا”.
شيّع جثمانه في جنازة بسيطة، كما أوصى، ودُفن في إنجلترا بالقرب من مكان كان يحب المشي فيه يومياً.
لم يطلب تكريماً رسمياً، لكنه حصل على أعظم تكريم يمكن أن يناله رجل: احترام العالم لإرثه.
ترك الفايد وراءه إمبراطورية مالية ضخمة تمتد عبر القارات، وأثراً إنسانياً لا يقل أهمية عن إنجازاته الاقتصادية.
إرث محمد الفايد
أما إرثه الحقيقي، فكان في قصته الملهمة التي تثبت أن النجاح لا يعرف حدوداً ولا جنسية.
لقد بدأ من لا شيء، وتحدى أقوى الأنظمة، وصنع لنفسه اسماً بين عمالقة المال في العالم.
اليوم، بعد رحيله، يبقى اسمه محفوراً في الذاكرة كرمز لرجل لم يرضَ بأن يكون تابعاً، بل صنع طريقه بنفسه، ورفع رأس العرب عالياً في واحدة من أكثر العواصم نفوذاً في العالم.
إن قصة الملياردير محمد الفايد ليست مجرد حكاية عن الثروة، بل هي درس خالد في الإصرار، والعزيمة، والكرامة الإنسانية.
وفي الختام حين نتأمل سيرة محمد الفايد، نكتشف أننا أمام أكثر من مجرد رجل أعمال ناجح.
نحن أمام أسطورة عربية جمعت بين الذكاء الفطري والطموح اللامحدود، وبين الكفاح الصلب والكرم الإنساني.
بدأ من الإسكندرية بحلم صغير، فصار رمزاً عالمياً للنجاح ورغم كل ما واجهه من صعوبات وتمييز، ظل وفياً لهويته العربية، متمسكاً بمبادئه، لا يخضع ولا يتنازل.
إن إرث محمد الفايد لا يُقاس فقط بما تركه من مال أو مشاريع، بل بما ألهمه في نفوس الملايين من الشباب الذين آمنوا أن النجاح ممكن مهما كانت البدايات متواضعة.
لقد علّمنا أن الشجاعة ليست في مواجهة المنافسين فقط، بل في مواجهة الظلم والتمييز، وأن الحلم لا يتحقق إلا لمن يملك الإصرار على المضي قدماً مهما كانت العقبات.
رحل محمد الفايد، لكن قصته ستبقى خالدة في ذاكرة كل من يؤمن بأن النجاح لا يُمنح، بل يُنتزع.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أصل محمد الفايد الحقيقي؟
محمد الفايد وُلد في مدينة الإسكندرية بمصر عام 1929، وهو من أسرة مصرية متوسطة الحال، نشأ في بيئة بسيطة لكنها شكلت شخصيته الصلبة والطموحة.
كيف جمع محمد الفايد ثروته؟
بدأ من مشاريع تجارية صغيرة في الاستيراد والتصدير، ثم توسع في مجالات العقارات والفنادق، وحقق ثروته الكبرى من امتلاكه لمتجر “هارودز” وفندق “ريتز باريس”.
ما أبرز استثماراته في العالم؟
أبرز مشاريعه كانت في بريطانيا وفرنسا، وتشمل متجر “هارودز”، فندق “ريتز باريس”، إضافة إلى شركات بحرية واستثمارات عقارية في أوروبا والشرق الأوسط.
ما علاقته بحادث الأميرة ديانا؟
ابنه دودي الفايد كان على علاقة عاطفية بالأميرة ديانا، وتوفيا معاً في حادث سيارة مأساوي في باريس عام 1997، وهو الحادث الذي أثّر بشكل كبير على حياة محمد الفايد.
هل حصل محمد الفايد على الجنسية البريطانية؟
رغم أنه عاش في بريطانيا لعقود وامتلك استثمارات ضخمة، إلا أن السلطات البريطانية رفضت منحه الجنسية، وهو ما اعتبره الفايد دليلاً على العنصرية ضده كرجل عربي مسلم.
إقرأ المزيد: قصة جيم والتون.. الملياردير الهادئ خلف إمبراطورية وول مارت






