
لم يكن صالح كامل مجرد اسم في عالم المال والأعمال، بل كان قصة نجاح نادرة، تدرَس للأجيال كأنموذج لرجل بدأ من لا شيء، فصنع من الحلم إمبراطورية تمتد جذورها في كل أنحاء العالم.
جمع بين الدين والاقتصاد، بين الفكر والإدارة، بين الثراء والإنسانية، حتى أصبح أحد أبرز رجال الأعمال السعوديين، ومليارديراً حمل على عاتقه فكرة الاقتصاد الإسلامي قبل أن تتحول إلى صناعة عالمية.
كان مؤسس مجموعة دلة البركة ومجموعة البركة المصرفية، وهما من أهم الكيانات الاقتصادية التي أعادت تعريف مفهوم النجاح، وربطت بين القيم الإسلامية والتنمية الاقتصادية.
إن الحديث عن صالح كامل هو حديث عن رجل تجاوز حدود المال ليصبح مدرسة في الإدارة والفكر والعطاء.
وبين سطور حياته تتجلّى رحلة من الكفاح والإيمان والابتكار تستحق أن تُروى بتفاصيلها.
النشأة والبدايات الأولى.. شرارة الطموح في مكة المكرمة
وُلد صالح عبد الله كامل في مكة المكرمة عام 1941، لأسرة متوسطة الحال.
كانت مكة وقتها مركزاً للتجارة والحج، وبيئة ثرية بالتجارب الإنسانية والاقتصادية، وهذا ما صقل شخصيته منذ الطفولة.
كان والده يعمل في الحكومة، وقد علّمه الانضباط والالتزام، فيما غرست فيه والدته حب البذل والكرم، فشبّ يحمل روحاً تجارية مع إحساس عميق بالمسؤولية الاجتماعية.
منذ الصغر، كان يميل إلى البيع والشراء أكثر من اللعب.
باع أدوات مدرسية، ثم تدرّب على أعمال بسيطة، ليكتسب مهارة التعامل مع الناس وإدارة المال.
وبعد دراسته الجامعية في جامعة الرياض” جامعة الملك سعود حالياً“، التحق بالعمل الحكومي في وزارة الإعلام ووزارة الحج.
لكن قلبه لم يرضي بالروتين الوظيفي.
كان يحلم بأن يكون حراً في قراراته، وأن يصنع طريقه بيده.
فترك الوظيفة رغم الاستقرار الذي كانت تمنحه، وبدأ أولى محاولاته التجارية بمشاريع بسيطة جدًا، كتصوير الوثائق وبيع الأدوات المكتبية.
وقد قال لاحقاً في أحد لقاءاته:
“لم أكن أبحث عن الثراء السريع، بل عن طريق خاص بي، طريق أعيش فيه معنى العمل، لا مجرد الراتب.”
تلك الخطوة الجريئة كانت بداية مشوار صنع التاريخ.
من مشروع صغير إلى مجموعة دلة البركة

في منتصف السبعينات، قرر صالح كامل أن يحوّل أحلامه إلى واقع مؤسسي منظم، فأسس مجموعة دلة البركة، التي أصبحت فيما بعد واحدة من أضخم المجموعات الاقتصادية في العالم العربي.
بدأت المجموعة بأعمال محدودة في مجال الخدمات والمقاولات، لكنها توسعت بسرعة بفضل رؤيته المتقدمة وقدرته على استشراف الفرص.
فقد آمن أن “التنوع” هو مفتاح الاستقرار، فدخل مجالات جديدة مثل الإعلام، والتعليم، والرعاية الصحية، والسياحة، والعقارات، والاستثمار.
كانت فلسفة دلة البركة قائمة على مبدأ “الإدارة بالقيم”، أي أن تكون الأخلاق جزءاً من منظومة العمل. لم يكن صالح كامل يرضى بالنجاح التجاري فقط، بل أراد أن تصبح شركته نموذجاً يحتذى في الالتزام والمصداقية.
ومن أبرز شركات المجموعة:
- دلة الصحية (من كبرى المستشفيات السعودية الخاصة).
- دلة للتأمين.
- شركة ART (شبكة راديو وتلفزيون العرب).
- البركة القابضة (الذراع المصرفي الإسلامي للمجموعة).
ساهمت هذه المجموعة في تعزيز الاقتصاد السعودي وتنويع استثماراته.
ومن خلالها، رسّخ صالح كامل مكانته كـ رجل أعمال سعودي عصامي استطاع بذكائه أن يبني إمبراطورية متكاملة على أسس أخلاقية راسخة.
إكتشف: قصة نجاح عبدالله الفطيم.. الملياردير الإماراتي ومؤسس مجموعة الفطيم
مجموعة البركة المصرفية.. ثورة صالح كامل في عالم الصيرفة الإسلامية
لم يكتفي صالح كامل ببناء الشركات التقليدية، بل قاده إيمانه العميق إلى تأسيس نظام مالي إسلامي عالمي، ليكون أحد مؤسسي فكرة التمويل الإسلامي.
ففي وقتٍ كانت فيه البنوك التقليدية تهيمن على الأسواق، تجرّأ صالح كامل على تقديم نموذج مختلف: مجموعة البركة المصرفية.
تأسست رسمياً في البحرين عام 2002، لكن جذورها تعود إلى السبعينات عندما بدأ صالح كامل في دعم البنوك الإسلامية في السعودية والسودان وماليزيا.
كانت رؤيته بسيطة وعميقة في آنٍ واحد:
“نريد أن نجعل المال يعمل لخدمة الإنسان، لا لاستغلاله.”
ومن هذه الفكرة ولدت مجموعة تمتد اليوم في أكثر من 17 دولة، تقدم خدمات مصرفية واستثمارية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
لم تكن مجموعة البركة المصرفية مجرد بنك، بل مشروعاً حضارياً هدفه نشر العدالة الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة.
واليوم تعد من أكبر الكيانات المصرفية الإسلامية عالمياً، بأصول تتجاوز عشرات المليارات.
لقد كان صالح كامل بحق “عرّاب الصيرفة الإسلامية”، ورؤيته أسست لصناعة مالية حديثة تجمع بين القيم والإنتاجية، وهو ما جعل اسمه يذكر في كبرى المؤتمرات الاقتصادية الدولية.
صالح كامل والإعلام.. عندما يصبح رجل الأعمال صانعا للوعي

في تسعينات القرن الماضي، فاجأ صالح كامل العالم العربي بخطوة جريئة بتأسيسه شبكة ART (راديو وتلفزيون العرب)، لتكون أول شبكة فضائية عربية خاصة.
في زمن لم يكن فيه البث الفضائي شائعاً، آمن صالح كامل بأن الإعلام سيكون سلاح المستقبل، فأسس شبكة تبث من إيطاليا، وقدّمت مزيجاً من القنوات الرياضية، والترفيهية، والثقافية، والدينية.
كانت ART أول من اشترى حقوق بث الدوريات العربية والأوروبية، وأطلقت أسماء عربية شهيرة في عالم الإعلام.
لكنها لم تكن مشروعاً تجارياً بحتاً؛ فقد كان هدف صالح كامل نشر الوعي والثقافة، وتعريف العالم بصورة إيجابية عن العرب والمسلمين.
قال ذات مرة:
“الإعلام رسالة ومسؤولية، وليس فقط وسيلة للربح.”
لقد نقلت ART صورة جديدة عن الإعلام العربي الحديث، وخلّدت اسم صالح كامل كأول رجل أعمال سعودي صنع مؤسسة إعلامية ضخمة أثرت في أجيال كاملة من المشاهدين.
إقرأ: قصة نجاح خلف الحبتور.. الملياردير الإماراتي الذي بنى مجده من الصفر ووصل للقمة
الجانب الإنساني والخيري في حياة صالح كامل
وراء الأرقام والمليارات، كان هناك قلب نابض بالعطاء.
كان صالح كامل من أكثر رجال الأعمال العرب سخاءً في العمل الإنساني والخيري.
فقد أسس مؤسسة صالح كامل الإنسانية، التي نفّذت مشاريع في التعليم، والإغاثة، والتنمية المستدامة في السعودية والعالم الإسلامي.
ساهم في بناء المستشفيات والمدارس والمساجد، ودعم برامج مكافحة الفقر، ومبادرات تمكين المرأة والشباب.
كما كان داعماً رئيسياً لـ البنك الإسلامي للتنمية في جدة، وشارك في مؤتمرات تدعم الاقتصاد الإسلامي والعمل الخيري.
آمن صالح كامل أن “المال نعمة لا تكتمل إلا بالإنفاق في سبيل الله”، وكان يردد دائماً:
“الغني الحقيقي هو من يعطي أكثر مما يأخذ.”
لقد جمع بين الثروة والتواضع، وبين النجاح والرحمة، ليثبت أن رجل الأعمال المسلم يمكن أن يكون ناجحاً ومؤثراً في آنٍ واحد.
إرث صالح كامل وفلسفته في الإدارة والنجاح

رحل صالح كامل عن الدنيا في مايو 2020، لكن فكره لم يمت.
ترك وراءه منظومة اقتصادية متكاملة تعمل بروح رؤيته.
كانت فلسفته في الإدارة تقوم على ثلاث ركائز:
- العمل بروح الفريق.
- الابتكار مع الالتزام بالقيم.
- الاستثمار في الإنسان قبل المال.
كان يقول دائماً:
“العامل المخلص أهم من رأس المال، لأن المال يمكن أن يُكتسب، أما الولاء فلا يشترى.”
واليوم، ما زالت مجموعة دلة البركة ومجموعة البركة المصرفية تواصل مسيرته بنفس القيم التي وضعها.
لقد أثبت صالح كامل أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بما تملكه، بل بما تتركه بعدك.
إرثه ليس فقط شركات ناجحة، بل فكر إداري وإنساني غيّر مفهوم ريادة الأعمال في العالم العربي.
إطلع علي: قصة جيم والتون.. الملياردير الهادئ خلف إمبراطورية وول مارت
أسرار نجاح صالح كامل
وراء كل نجاح باهر، هناك أسرار صغيرة لا يعرفها إلا أصحابها، وهكذا كان الحال مع صالح كامل.
فرغم شهرته الواسعة كـ رجل أعمال وملياردير سعودي، إلا أن ما كان يميّزه حقاً لم يكن حجم ثروته، بل طريقته الفريدة في التفكير والإدارة والقيادة.
لقد بنى إمبراطوريته الضخمة مجموعة دلة البركة ومجموعة البركة المصرفية على أسس روحية وعملية جعلت منه مدرسة في عالم الاقتصاد الإسلامي.
الانضباط اليومي والالتزام بالوقت
كان صالح كامل يبدأ يومه بعد صلاة الفجر مباشرة، يقرأ القرآن ثم يراجع جدول أعماله بنفسه. لم يكن يترك شيئاً للصدفة. كان يقول:
“الوقت هو رأس مال رجل الأعمال، ومن يضيّعه، خسر أعظم ثروة.”
كان يرفض الاجتماعات الطويلة، ويؤمن بأن القرارات تُتخذ بالحسم لا بالتردد، وهو ما جعله معروفًا بين موظفيه بعبارة شهيرة:
“احسم أمرك اليوم، فالغد خُلق للإنجاز لا للتفكير.”
الحضور الميداني الدائم لصالح كامل
لم يكن صالح كامل رجل مكتب.
كان يزور المشاريع بنفسه، يتحدث مع العاملين، ويسألهم عن الصعوبات التي يواجهونها.
كان يرى أن القائد الحقيقي يجب أن يعرف الميدان قبل الأرقام.
وقد روى أحد موظفيه أنه كان يفاجئ الإدارات بزيارات دون إخطار مسبق، فقط ليعرف كيف تُدار الأمور على أرض الواقع.
هذه العادة جعلته على اطلاع مباشر بتفاصيل أعماله، ومنحته رؤية دقيقة لما يحتاجه كل قطاع في مجموعته.
الإيمان بأن “البركة” أهم من الربح
في كل مقابلة أو اجتماع، كان صالح كامل يكرر كلمة واحدة: البركة.
كان يؤمن أن المال وحده لا يصنع السعادة، وأن النجاح الحقيقي هو في المال المبارك، أي ذلك الذي يكتسب من الحلال ويستخدم في الخير.
لذلك سمّى مجموعته “دلة البركة” ليذكر نفسه والعاملين معه دائماً بأن “الربح دون قيم لا يُثمر”.
وكان يقول:
“كم من غني بلا بركة، وكم من قليل المال كثير النفع.”
صالح كامل وبناء العلاقات الإنسانية قبل الصفقات
رغم أنه كان مليارديراً معروفاً، إلا أن صالح كامل كان متواضعاً للغاية في تعامله مع الناس.
كان يحرص على تهنئة موظفيه في المناسبات، ويواسيهم في أحزانهم، ويشعرهم أن المؤسسة بيتهم لا مجرد مكان عمل.
هذا التواضع خلق ولاء نادراً بين العاملين في دلة البركة، حتى إن كثيرين ظلوا يعملون معه لأكثر من ثلاثين عاماً.
أما في عالم الأعمال، فكان يؤمن أن “الثقة أهم من العقد”، ولذلك كان يفضّل التعامل مع من يثق في أخلاقهم حتى لو كانت أرباحهم أقل.
الجرأة المحسوبة
من أبرز أسرار نجاحه أنه لم يخَف من اقتحام مجالات جديدة.
دخول الإعلام عبر شبكة ART، أو تأسيس بنوك إسلامية في وقت لم يكن أحد يؤمن بها، كانت مغامرات كبرى.
لكنه لم يكن متهوراً؛ كان يدرس السوق بعناية، ثم يتخذ القرار بثقة.
قال ذات مرة:
“المخاطرة بدون علم حماقة، والعلم بدون جرأة شلل.”
هذه المعادلة بين الحذر والجرأة كانت سراً في استمرارية مشاريعه حتى اليوم.
الرؤية الطويلة المدى
لم يكن صالح كامل ينظر إلى المشاريع بعين الربح السريع. كان يفكر في تأثيرها بعد عشرين عاماً.
عندما أسس مجموعة البركة المصرفية، قال إن هدفه ليس كسب المال فحسب، بل “بناء نظام مالي يليق بالعالم الإسلامي”.
وهذا التفكير الاستراتيجي جعل كل خطوة في حياته تحمل بعداً حضارياً وإنسانياً، لا تجارياً فقط.
صالح كامل والتوازن بين الدين والدنيا
ربما كان هذا السرّ الأعظم في مسيرته.
كان يرى أن الدين لا يمنع الطموح، بل يوجّهه، وأن رجل الأعمال المؤمن لا يجب أن يعيش في تضاد بين المسجد والمكتب.
كان يقول دائماً:
“صلاتك تهذب تجارتك، وزكاتك تنقي مالك، فالدين والاقتصاد توأمان لا يفترقان.”
ولهذا كان يرفض أي صفقة تخالف مبادئه مهما كانت مغرية، مؤمناً بأن الخسارة المادية أهون من خسارة القيم.
الدرس الأخير من مسيرة صالح كامل

حين نتأمل حياة هذا رجل الأعمال السعودي العظيم، ندرك أن نجاحه لم يكن صدفة، بل نتيجة منظومة متكاملة من القيم، والإصرار، والذكاء، والإيمان.
لقد أثبت أن “الثروة بلا بركة زائلة، والنجاح بلا أخلاق ناقص”، وأن أعظم إنجاز في حياة الإنسان أن يُذكر بالخير بعد رحيله.
رحل صالح كامل، لكن أسرار نجاحه ما زالت تلهم آلاف الشباب ورواد الأعمال في الوطن العربي.
إنه مثال حيّ على أن “من يبدأ صغيراً بإيمان كبير، يصل حتماً إلى القمة.”
إقرأ أيضا: محمد الفايد.. قصة رجل أعمال وملياردير تجاوز حدود المستحيل
صالح كامل.. رجل الأعمال الذي خلدته القيم قبل الثروة
إن سيرة صالح كامل ليست مجرد قصة نجاح مالي، بل ملحمة إنسانية تلهم الأجيال.
جمع بين التقوى والطموح، بين الرؤية والجرأة، بين إدارة الشركات وبناء الإنسان.
لقد أثبت للعالم أن الإسلام لا يعارض التقدم، بل يدعمه، وأن رجل الأعمال المؤمن يمكن أن يكون صانع حضارة.
رحل الجسد، لكن الأفكار باقية، والمؤسسات التي أسسها تنبض بالحياة وتستمر في خدمة الناس والاقتصاد.
في كل ركن من أركان مجموعة دلة البركة، وفي كل فرع من مجموعة البركة المصرفية، ينبض فكر صالح كامل:
فكرٌ يؤمن بأن القيم يمكن أن تبني الثروة، وأن الخير يمكن أن يصنع المجد.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
من هو صالح كامل؟
هو رجل أعمال سعودي، مؤسس مجموعة دلة البركة ومجموعة البركة المصرفية، وأحد رواد الصيرفة الإسلامية.
كيف بدأ صالح كامل مسيرته؟
بدأ من مشاريع بسيطة بعد ترك الوظيفة الحكومية، ثم أسس شركات صغيرة توسعت حتى أصبحت مجموعة دلة البركة.
ما أبرز إنجازاته؟
تأسيس دلة البركة، إنشاء مجموعة البركة المصرفية، تأسيس شبكة ART، ودعم الاقتصاد الإسلامي عالميًا.
ما فلسفته في العمل؟
الدمج بين القيم الإسلامية والإدارة الحديثة، وتحقيق الربح مع خدمة المجتمع.
متى توفي صالح كامل؟
توفي عام 2020 في مكة المكرمة، وترك إرثاً اقتصادياً وإنسانياً خالداً.
إكتشف: محمد أبو العينين.. قصة نجاح مؤسس سيراميكا كليوباترا المصرية






