
تتحول المعادن النادرة إلى سلاح اقتصادي واستراتيجي لا يقل أهمية عن النفط والغاز، بل ربما يفوقهما في عالم يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والطاقة النظيفة.
ومع فرض الصين قيوداً مؤقتة على تصدير هذه المعادن في أكتوبر 2025، أدركت القوى الكبرى حجم المخاطر المرتبطة باحتكار بكين لهذا القطاع الحساس.
ورغم تعليق هذه القيود لاحقاً بعد اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، إلا أن رسالة الصين كانت واضحة: من يملك المعادن النادرة، يملك مفتاح المستقبل الصناعي والعسكري.
المعادن النادرة.. أساس الثورة التقنية والصناعية الحديثة
تدخل المعـادن النادرة في الصناعات الأكثر تقدماً في العالم؛ من الشرائح الإلكترونية الدقيقة والهواتف الذكية والأقمار الصناعية، إلى البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية وأنظمة الدفاع العسكري.
وتعد هذه المعادن العمود الفقري لكل ما يُعرف بـ”اقتصاد المستقبل”، بدءاً من الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وصولاً إلى الطائرات بدون طيار والصواريخ الموجهة.
الصين تدرك هذه الحقيقة جيداً، ولذلك لم تكتفِ بامتلاك أكبر احتياطي عالمي من هذه المعادن، بل نجحت في السيطرة على كامل سلسلة القيمة بدءاً من التنقيب والاستخراج، مروراً بالتكرير والمعالجة، وحتى التصدير للأسواق العالمية.
هيمنة الصين على سوق المعادن النادرة
تشير البيانات إلى أن اعتماد العالم على الصين يكاد يكون شبه كامل، حيث تستورد البرازيل 97% من احتياجاتها من الصين، تليها تركيا بنسبة 93%. أما الاقتصادات الكبرى فلا تبدو أفضل حالاً:
- ألمانيا تعتمد على الصين لتوفير 93% من احتياجاتها.
- بريطانيا تستورد 89% من إمداداتها من بكين.
- كوريا الجنوبية تعتمد بنسبة 80%، والولايات المتحدة بنسبة 78% من احتياجاتها.
هذه الأرقام تعكس واقعاً مقلقاً: أي اضطراب في الإمداد الصيني يعني توقف مصانع السيارات الكهربائية، وتعطل إنتاج الشرائح الإلكترونية، وتأثر الصناعات العسكرية والتكنولوجية في الدول الكبرى.
احتياطيات الصين الضخمة من المعادن النادرة
- تمتلك الصين ما يقارب 44 مليون طن متري من المعادن النادرة.
- هذا الرقم يعادل 23 ضعف احتياطيات الولايات المتحدة.
- إضافة إلى ذلك، تحتكر الصين أكثر من 70% من قدرات التكرير والمعالجة العالمية، وهي المرحلة الأصعب والأكثر تكلفة في سلسلة الإنتاج.
إقرأ المزيد: توسع غير مسبوق في بنية شحن السيارات الكهربائية حتى 2027
لماذا لا تستطيع الدول فك ارتباطها بالصين بسهولة؟
رغم محاولات الولايات المتحدة وأوروبا تنويع مصادرها من المعادن النادرة، إلا أن هناك عدة عوائق تقف أمام تحقيق هذا الهدف:
تكلفة استخراج عالية وتلوث بيئي كبير
تتطلب عملية استخراج المعادن النادرة استثمارات ضخمة وتقنيات خاصة لمعالجة الصخور، كما ينتج عنها نفايات سامة، ما يجعل كثيراً من الدول تتجنب الخوض في هذه الصناعة محلياً.
سلاسل توريد متكاملة تمتلكها الصين
لم تكتفِ الصين بالاستخراج، بل استثمرت في بناء مصانع معالجة وتكرير، ما جعلها تحتكر أكثر مراحل الإنتاج قيمة وربحاً.
الوقت الطويل لإنشاء بدائل
حتى لو بدأت الدول الكبرى اليوم في بناء صناعة متكاملة، فإن الوصول إلى الاستقلال الكامل قد يستغرق من 5 إلى 10 سنوات على الأقل.
هل ينجح الغرب في كسر الاحتكار الصيني؟
بدأت الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان، وكوريا الجنوبية بتوقيع اتفاقات جديدة للتنقيب في إفريقيا وأستراليا وكندا.
كما أطلقت واشنطن مبادرة لإعادة تدوير المعادن النادرة وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
مع ذلك، تبقى الصين في موقع القوة، حيث تمتلك التكنولوجيا والخبرة والتكلفة الأرخص.
الفرص المحتملة للدول العربية
- تمتلك السعودية، ومصر، والمغرب مؤشرات أولية لوجود عناصر أرضية نادرة في باطن أراضيها.
- يمكن للدول العربية أن تتحول إلى مركز جديد لتكرير وتصنيع هذه المعادن إذا استثمرت في التكنولوجيا ونقلت الخبرة من الدول المتقدمة.
إكتشف: معادن السعودية تعتزم مضاعفة إنتاج الذهب والمعادن النادرة بحلول 2030






