
شهد سعر النفط ارتفاعاً ملحوظاً بعد الإعلان عن توصل كبار المسؤولين الاقتصاديين من الصين والولايات المتحدة إلى إطار لاتفاق تجاري جديد، مما أشاع أجواء من التفاؤل في الأسواق وخفف المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
يأتي هذا التطور بعد أشهر من التوترات التجارية والرسوم الجمركية المتبادلة التي أضعفت ثقة المستثمرين وأثّرت على حركة التجارة بين أكبر مستهلكين للطاقة في العالم.
سجل خام برنت ارتفاعاً بمقدار 46 سنتاً، أي بنسبة 0.7٪ ليصل إلى 66.40 دولاراً للبرميل، في حين صعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنفس النسبة تقريباً ليبلغ 61.96 دولاراً للبرميل.
وجاء هذا الصعود بعد أسبوعين متتاليين من المكاسب القوية، إذ ارتفع خام برنت بنحو 8.9٪ وغرب تكساس بنسبة 7.7٪، مدعوماً بقرارات العقوبات الغربية على روسيا والتي أعادت خلط أوراق السوق النفطية من جديد.
إطار الاتفاق التجاري يعيد الثقة إلى الأسواق ويدعم سعر النفط
ساهم الاتفاق الأميركي الصيني في تغيير المزاج العام في الأسواق العالمية، إذ أشار وزير الخزانة الأميركي إلى أن الجانبين توصلا إلى إطار جوهري لاتفاق تجاري من شأنه تفادي فرض رسوم جمركية بنسبة 100٪ على الواردات الصينية، وتأجيل القيود الصينية على صادرات العناصر النادرة إلى الولايات المتحدة.
هذه الخطوة عززت التفاؤل لدى المستثمرين بأن مرحلة جديدة من التعاون بين القوتين الاقتصاديتين على وشك البدء، مما دفع توقعات الطلب على الطاقة إلى الصعود مجدداً.
كما صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يتوقع عقد اجتماعات مرتقبة في كل من واشنطن وبكين لاستكمال النقاشات النهائية حول الاتفاق، مؤكداً ثقته بأن التفاهم مع الصين سيتم الاعلان عنها قريباً.
هذا التفاؤل انعكس مباشرة على سعر النفط اليوم، إذ يرى المحللون أن أي انفراجة في العلاقات التجارية بين الجانبين تترجم إلى زيادة في النشاط الصناعي واللوجستي وبالتالي ارتفاع استهلاك الطاقة عالمياً.
ويرى محللون في شركات استثمارية أن الأسواق تجاوزت مرحلة الخوف من الركود، وبدأت في تسعير احتمالات انتعاش الطلب مجدداً، لا سيما مع تحسّن المؤشرات الاقتصادية في آسيا وتراجع القلق من الحرب التجارية.
العقوبات على روسيا وتأثيرها في توازن العرض والطلب
في المقابل، لعبت العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على روسيا دوراً محورياً في دعم أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة.
فمع تشديد القيود على صادرات الشركات الروسية الكبرى مثل “روسنفت” و“لوك أويل”، ظهرت مخاوف من تقلص الإمدادات في الأسواق العالمية، مما أضاف زخماً إضافياً إلى موجة الصعود الأخيرة.
إلا أن بعض المحللين حذروا من أن فعالية هذه العقوبات قد تكون محدودة على المدى الطويل، إذ من المرجح أن تلجأ موسكو إلى ما يعرف بـ“أساطيل الظل” ناقلات نفط تابعة لشركات غير معلنة لتجاوز القيود والحفاظ على تدفق صادراتها.
وفي حال نجاح روسيا في الالتفاف على العقوبات، فقد تعود ضغوط فائض المعروض إلى الأسواق مجدداً، وهو ما قد يحد من استمرار ارتفاع سعر النفط في المرحلة المقبلة.
لكن في الوقت الحالي، فإن مزيجاً من العوامل الجيوسياسية العقوبات من جهة، والتقارب التجاري بين واشنطن وبكين من جهة أخرى يوفر بيئة داعمة للأسعار، ويجعل المتعاملين في السوق أكثر ميلاً نحو الشراء تحسباً لأي اضطرابات في الإمدادات.
إكتشف: النفط ينتفض بعد أشهر من التراجع… آمال الاتفاق الأميركي الصيني تعيد الحياة للأسعار
آفاق سعر النفط اليوم.. بين التفاؤل الحذر ومخاطر التقلب
على الرغم من أن التفاؤل يسيطر حالياً على الأسواق، إلا أن العديد من المخاطر لا تزال تلقي بظلالها على مستقبل أسعار النفط.
من بين أبرز هذه التحديات:
- احتمال عودة فائض المعروض: في حال لم تُطبّق العقوبات على روسيا بصرامة، فقد تستمر الأخيرة في ضخ كميات كبيرة بأسعار تنافسية، ما يعيد الضغط على الأسعار العالمية.
- تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي: أي تراجع في النشاط الصناعي أو الاستهلاكي في الصين أو الولايات المتحدة يمكن أن يقلّص الطلب على الخام بشكل ملحوظ.
- سياسات منظمة أوبك+: قد تلجأ المنظمة إلى تعديل مستويات الإنتاج للحفاظ على توازن السوق، خصوصاً إذا استمر ارتفاع الأسعار بشكل يفوق التوقعات.
- العوامل المناخية والموسمية: فصول الشتاء الباردة أو الكوارث الطبيعية المفاجئة يمكن أن تغيّر مسار السوق سريعاً.
ويؤكد خبراء الطاقة أن الأسواق النفطية تعيش حالياً “مرحلة حساسة”، حيث يتحدد فيها الاتجاه المستقبلي للسعر بناء على مدى نجاح الاتفاق التجاري بين واشنطن وبكين، ومدى فعالية العقوبات المفروضة على موسكو.
النفط بين السياسة والاقتصاد
يمكن القول إن سعر النفط اليوم لم يعد انعكاساً فقط لمعادلة العرض والطلب التقليدية، بل أصبح مرآة لعلاقات القوى الكبرى وصراعاتها الاقتصادية.
فكل خطوة في طريق التسوية بين الصين والولايات المتحدة ترفع الأسعار، وكل توتر جيوسياسي جديد يعيد إشعالها.
أما المستثمرون، فيرون في هذه التحركات فرصة للمضاربة قصيرة الأجل، بينما تراقب الشركات الصناعية والتجارية بعين القلق أي تقلب مفاجئ في الأسعار، لما لذلك من أثر مباشر على كلفة الإنتاج والنقل.
إن استمرار الحوار التجاري بين واشنطن وبكين سيشكل مفتاحاً رئيسياً لاستقرار سعر النفط في المرحلة المقبلة، بينما ستبقى العقوبات الروسية عامل ضغط متغير قد يقلب موازين السوق في أي لحظة.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، تبقى أسعار النفط واحدة من أكثر المؤشرات حساسية ودلالة على التوازن الدقيق بين الاقتصاد والسياسة في العالم الحديث.
إقرأ المزيد: بعد مكاسب 7%.. استقرار أسعار النفط يخفي خلفه موجة توتر في أسواق الطاقة






