
شهدت كوريا الجنوبية في أغسطس 2025 محطة فارقة في تاريخ صناعة السيارات، إذ حققت السيارات الكهربائية قفزة قياسية غير مسبوقة جعلتها تمثل ما يقرب من خُمس السيارات الجديدة المسجلة في البلاد.
هذا التحول لم يعد مجرد مؤشر عابر، بل يعكس اتجاهاً استراتيجياً نحو التنقل المستدام، ويمثل نموذجاً يحتذى به عالمياً في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.
صعود لافت في أعداد السيارات الكهربائية
أظهرت البيانات الرسمية أن عدد السيارات الكهربائية المسجلة حديثاً في كوريا الجنوبية خلال أغسطس 2025 بلغ نحو 23,269 سيارة من أصل 126,787 مركبة جديدة، أي ما يعادل 18.4% من إجمالي التسجيلات.
ويعكس هذا الرقم نقلة نوعية مقارنة بالأعوام السابقة، حيث كانت حصة السيارات الكهربائية لا تتجاوز 2.4% في عام 2020 قبل أن ترتفع إلى 9.8% في 2022.
ورغم استقرار النسبة عند حدود 9% في عامي 2023 و2024، فإن الأرقام الأخيرة تثبت أن السوق الكورية دخلت مرحلة نمو متسارع، إذ بلغت الحصة الإجمالية للسيارات الكهربائية منذ بداية 2025 وحتى نهاية أغسطس نحو 12.7%.
مع تسجيل إجمالي وصل إلى 141,986 سيارة كهربائية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام.
هذا التوسع اللافت لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة جهود مكثفة من شركات محلية وعالمية رائدة مثل هيونداي موتور وكيا، إضافة إلى علامات أوروبية مرموقة مثل مرسيدس بنز وبي إم دبليو، التي طرحت طرازات جديدة تواكب أحدث معايير التقنية والاستدامة.
ومن المتوقع أن تتجاوز مبيعاتها في كوريا الجنوبية بنهاية العام الحالي حاجز 200 ألف سيارة لأول مرة في تاريخها، ما يرسخ مكانة هذا القطاع كأحد أعمدة الصناعة الكورية.
أسباب الانتعاش الكبير في سوق السيارات الكهربائية
تضافرت عدة عوامل لتقود هذا التحول السريع نحو السيارات الكهربائية. أول هذه العوامل هو التوسع في إطلاق موديلات جديدة تناسب مختلف الأذواق والفئات السعرية، ما أتاح للمستهلكين خيارات أوسع من أي وقت مضى.
فقد حرصت الشركات المحلية والدولية على تقديم سيارات كهربائية مزودة بمدى أطول للبطاريات، وتقنيات شحن أسرع، ومزايا مبتكرة تلبي احتياجات السائقين في المدن الكبرى والمناطق النائية على حد سواء.
إلى جانب الابتكار الصناعي، لعبت السياسات الحكومية دوراً محورياً في تعزيز هذا التوجه.
فقد وفرت الحكومة الكورية حوافز مالية سخية وإعفاءات ضريبية لتشجيع المواطنين على شراء هذه السيارات، إلى جانب استثمارات ضخمة في البنية التحتية لمحطات الشحن السريع، ما ساعد على تقليل القلق المرتبط بمحدودية مدى البطاريات وسهولة إعادة الشحن.
هذه الإجراءات جعلت تكلفة امتلاك سيارة كهربائية أكثر تنافسية مقارنة بالسيارات التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري.
كما أن الوعي البيئي المتزايد لدى المستهلكين الكوريين ساهم بدوره في تسريع عملية التحول.
فارتفاع أسعار الوقود والالتزامات الدولية بخفض الانبعاثات الكربونية دفع شريحة واسعة من المشترين إلى البحث عن بدائل نظيفة وموفرة للطاقة.
ومع تزايد اهتمام العالم بالاستدامة، أصبحت سيارات كهربائية الخيار الأمثل للأفراد الراغبين في الجمع بين الأداء القوي والحفاظ على البيئة.
إطلع علي: مبيعات السيارات الكهربائية تشهد نمواً قياسياً والصين تتصدر
آفاق مستقبلية وتحديات قادمة
تتجه التوقعات إلى أن تستمر مبيعات السيارات الكهربائية في كوريا الجنوبية في الصعود خلال الأعوام المقبلة، مع إمكانية وصول حصتها إلى ما يتراوح بين 25 و30% من إجمالي السيارات الجديدة في وقت قريب، خاصة إذا استمرت الحكومة في توفير الحوافز وتوسيع شبكة الشحن.
هذا النمو يعزز مكانة كوريا كمركز عالمي لإنتاج وتصدير السيارات، خصوصاً مع الطلب المتزايد من الأسواق الأوروبية والآسيوية على السيارات الصديقة للبيئة.
ورغم هذا التفاؤل، لا يخلو الطريق من تحديات مهمة.
أبرز هذه التحديات يتمثل في الحاجة إلى توسعة أكبر لشبكة محطات الشحن، خصوصاً في المناطق الريفية والبعيدة، لتلبية الطلب المتزايد وضمان سهولة الاستخدام على نطاق واسع.
كما تواجه الصناعة ضغوطاً متزايدة تتعلق بتأمين المواد الخام اللازمة لإنتاج البطاريات، مثل الليثيوم والكوبالت، في ظل تقلبات الأسعار وتحديات الاستدامة البيئية المرتبطة باستخراج هذه المعادن.
إضافة إلى ذلك، تفرض المنافسة الدولية تحدياً آخر، حيث تسعى شركات من الصين وأوروبا والولايات المتحدة إلى تعزيز حصصها في السوق العالمية عبر تقديمها بأسعار أقل أو تقنيات أكثر تطوراً.
هذه المنافسة تستدعي من الشركات الكورية الابتكار المستمر وتحسين الكفاءة وخفض التكاليف لضمان الحفاظ على ريادتها.
إقرأ أيضا: جاكوار لاند روفر تؤجل إطلاق أولى سياراتها الكهربائية رينج روفر وجاكوار
تحول استراتيجي نحو مستقبل مستدام
تمثل الطفرة الحالية في سوق السيارات الكهربائية الكورية الجنوبية أكثر من مجرد ارتفاع مؤقت في المبيعات؛ إنها إشارة إلى تحول استراتيجي في صناعة النقل بأكملها.
فالانتقال من السيارات العاملة بالوقود التقليدي إلى سيارات كهربائية أصبح ضرورة اقتصادية وبيئية لا يمكن تجاهلها.
ومع التزام الحكومة والشركات المصنعة والمستهلكين على حد سواء بهذا المسار، يبدو أن كوريا الجنوبية تمهد الطريق لحقبة جديدة من التنقل الأخضر الذي يجمع بين الابتكار والتكنولوجيا وحماية البيئة.
إن ما يجري في كوريا الجنوبية يقدم للعالم نموذجاً يحتذى به في كيفية تسريع وتيرة التحول نحو السيارات الكهربائية، ويمثل دليلاً عملياً على إمكانية التوازن بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة.
ومع استمرار هذا الزخم، قد نشهد في السنوات القليلة المقبلة أن تصبح السيارات الكهربائية الخيار الأول للمستهلكين، ليس في كوريا فحسب، بل في العديد من دول العالم.
إقرأ المزيد: فولكسفاجن تكشف عن سيارة اي دي كروس 2026 الكهربائية المدمجة






