
سجل مؤشر نيكاي الياباني “Nikkei 225” إنجازاً تاريخياً بعد تجاوزه مستوى 50 ألف نقطة للمرة الأولى، ليؤكد عودة الزخم القوي إلى واحدة من أعرق البورصات العالمية.
هذا الارتفاع اللافت لم يأتي من فراغ، بل جاء مدفوعاً بتغييرات سياسية واقتصادية جذرية في اليابان، أبرزها التوجه التوسعي في الإنفاق الحكومي الذي أعلنت عنه رئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكايئتشي، ما أثار موجة تفاؤل غير مسبوقة في أوساط المستثمرين داخل وخارج البلاد.
تاكايئتشي تحفّز الأسواق وتدفع “مؤشر نيكاي” للصدارة
منذ تسلّم ساناي تاكايئتشي رئاسة الوزراء، تبنّت حكومتها سياسة مالية توسعية تركز على النمو والتحفيز بدلاً من التقشف.
هذه الرؤية انعكست فوراً في مؤشرات البورصة اليابانية، حيث ارتفع مؤشر نيكاي 225 بنسبة 2.4% خلال جلسة التداول الصباحية، مسجلاً ذروة تاريخية عند 50,491 نقطة قبل أن يغلق مرتفعاً بنسبة 2.1% عند 50,337 نقطة.
وتتجاوز مكاسب المؤشر منذ بداية العام 26%، في حين ارتفع مؤشر توبكس الأوسع نطاقًا بنحو 1.6% ليغلق عند 3,321 نقطة، لترتفع مكاسبه السنوية إلى ما يقارب 19%.
هذه الأرقام تعبّر عن ثقة قوية في اتجاهات الحكومة الجديدة، التي وعدت بحزمة تحفيزية ضخمة تزيد على 13.9 تريليون ين ياباني (نحو 92 مليار دولار)، بهدف تنشيط الاقتصاد وتوسيع فرص الاستثمار المحلي.
وأكد محللون أن المستثمرين تفاعلوا بإيجابية مع الخطط الحكومية الجديدة، حيث رأوا فيها إحياءً لسياسات “أبينوميكس” الشهيرة التي اعتمدها رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، والتي ركزت على ضخ السيولة وتشجيع الإنفاق لتعزيز النمو.
“نيكاي” يعود إلى واجهة العالم
لم يكن وصول نيكاي إلى 50 ألف نقطة حدثاً عابراً، بل هو تتويج لمسار طويل بدأ منذ عقود.
فبعد أن شهدت اليابان ما يعرف بـ“فقاعة الاقتصاد” في أواخر الثمانينيات، ظل المؤشر يعاني من الركود لسنوات طويلة، ولم يستطع تجاوز ذروته السابقة إلا هذا العام.
هذا الإنجاز التاريخي يعني أن الاقتصاد الياباني بدأ بالفعل يخرج من ظل التباطؤ، مدفوعاً بتحولات قوية في سياسات الدولة وهيكل الشركات.
ومن أبرز ملامح المرحلة الحالية:
- عودة الثقة للمستثمرين المحليين بعد سنوات من التردد.
- تدفق استثمارات أجنبية ضخمة إلى سوق الأسهم اليابانية، بفضل الأداء القوي للشركات العملاقة.
- ارتفاع أسهم التكنولوجيا والتجزئة بقيادة شركات مثل Advantest التي صعدت بنسبة 5.15%، وFast Retailing المالكة لعلامة “يونيكلو” بنسبة 2.73%.
كما لعبت عوامل خارجية دوراً داعماً، منها ضعف الين الياباني الذي زاد من تنافسية الصادرات، إلى جانب تفاؤل عالمي بشأن استقرار الاقتصاد الآسيوي في ظل التوترات الغربية.
إقرأ أيضا: مؤشر نيكي الياباني يسجل رقم قياسي جديد متجاوزًا حاجز 43 ألف نقطة
هل يستمر الصعود أم يبدأ جني الأرباح؟
رغم حالة النشوة التي تعم الأسواق اليابانية، إلا أن المحللين يرون أن المرحلة المقبلة ستكون اختباراً حقيقياً لاستدامة هذا النمو.
فالتوسع المالي الكبير قد يقابل بتحديات تتعلق بارتفاع الدين العام أو احتمالية زيادة التضخم، ما قد يدفع بنك اليابان المركزي إلى إعادة النظر في سياسته النقدية فائقة التيسير.
ومع ذلك، يعتقد العديد من الخبراء أن اليابان تمتلك اليوم مقومات استثنائية للحفاظ على زخمها الإيجابي، ومن أبرزها:
- تحسّن ربحية الشركات الصناعية والتكنولوجية نتيجة ارتفاع الطلب العالمي.
- زيادة الإنفاق المحلي المدعوم ببرامج الدعم الحكومية.
- تنامي شهية المستثمرين الأجانب الذين يرون في السوق اليابانية بديلًا أكثر استقرارًا من الأسواق الغربية المضطربة.
ويرى محللون أن اختراق نيكاي لهذا المستوى ليس مجرد إنجاز رقمي، بل يمثل انتقالاً إلى مرحلة جديدة من النمو قد تعيد اليابان إلى مكانتها كقوة اقتصادية كبرى في آسيا.
انعكاسات الحدث على الأسواق العالمية
تجاوز سهم نيكاي حاجز 50 ألف نقطة بعث برسائل إيجابية إلى بقية الأسواق الآسيوية، حيث شهدت بورصات هونغ كونغ وشنغهاي وسنغافورة موجات ارتفاع متزامنة.
كما ساهم الأداء الياباني القوي في تعزيز ثقة المستثمرين العالميين، إذ أصبحت الأسهم اليابانية خياراً جذاباً في المحافظ الاستثمارية الكبرى التي تبحث عن التنويع بعيداً عن الولايات المتحدة وأوروبا.
إضافة إلى ذلك، يتوقع أن يؤدي هذا الارتفاع إلى زيادة استثمارات الصناديق السيادية في طوكيو، ما يعزز من مكانة اليابان كمركز مالي عالمي منافس.
وفي الختام تجاوز مؤشر نيكاي لحاجز 50 ألف نقطة لا يعتبر مجرد إنجاز تاريخي في سجلات البورصة اليابانية، بل هو إشارة قوية إلى تحوّل اقتصادي شامل تقوده حكومة تتبنى سياسات توسعية وطموحة.
اليوم، يقف الاقتصاد الياباني أمام فرصة فريدة لإعادة تموضعه كقوة مالية واستثمارية في آسيا، بعد عقود من الركود والجمود.
لكن النجاح في الحفاظ على هذا الزخم يتطلب موازنة دقيقة بين التحفيز المالي والانضباط النقدي، لضمان استمرار الثقة في السوق واستدامة النمو.
وبين التفاؤل الحذر والطموحات الكبيرة، تبقى اليابان في قلب المشهد المالي العالمي، بينما يواصل مؤشر نيكاي كتابة فصل جديد في قصة الاقتصاد الياباني الحديث.
إقرأ المزيد: موجة بيع تضرب أسهم شركات التكنولوجيا قبل اجتماع جاكسون هول






